مسجد الدولة تحول في الرمزية من الديني الى السلطوي

يحظى المسجد اليوم على خلاف وضعه في التاريخ الاسلامي بمكانة معمارية خاصة حتى تحول في ذاته الى ظاهرة معمارية تخصص لها الموتمرات و الندوات و الجوائز. ففي ظل الحداثة وما ارتبط بها من فكر و معرفة ذات اسس عقلانية (دنيوية) بات المسجد اليوم هو المبنى المعماري الوحيد المرتبط بالبعد الديني لدى السكان و بالذاكرة الثقافية الدينية لديهم، لذا اصبح المسجد يشكل بمدلولاته الميتافيزيقية رمزا يمكن توظيفه لاغراض تختلف عن تلك التي ارتبطت به عبر التاريخ الاسلامي. و قد انعكس ذلك بشكل جلي على عمارة المساجد المعاصرة فظهرت المساجد الصرحية ذات العمارة اللافتة (iconic)، و من اهمها مساجد الدولة الكبرى. و قد تضمنت عمارة هذه المساجد تحولا جذرية في وظيفتها ومدلولاتها الرمزية اذ اصبحت تخدم بشكل رئيس (بالنسبة لموسسيها) الغرض الدنيوي باعتبارها وسيطا ناقلا للدلالات السلطوية (power metaphor) مع دور ثانوي للوظيفة الدينية كدار للعبادة. اي ان المدلول السلطوي طغى على المدلول الديني في مساجد الدولة المعاصرة ما انعكس على رمزية المسجد و معناه في الذاكرة الجماعية للسكان و تسبب في حدوث حالة من الارباك الضمني للمسجد او ما يعرف ب ازمة المدلول (crisis of meaning). و لكن ما هي الاسباب التي ادت الى هذا التحول، و هل عمارة مساجد الدولة المعاصرة اليوم والتحول في مدلولاتها توسس لترات عمراني مستقبلي لعمارة المساجد؟ تبحث هذه الورقة في اسس التحول التي طرات في مدلولات (semiological) المسجد المعاصر، و ذلك بالبحث في منهجيات التاريخ الاسلامي (Historiography) و خضوعها للمنهجيات الغربية في هذا المجال، و دور المعرفة العقلانية في اعادة تشكيل العلاقة بين الديني والدنيوي في عمران المساجد المعاصرة و ذلك بالتركيز على عمارة مساجد الدولة الكبرى، و اثر ذلك على عمارة المسجد المعاصر بشكل عام.