چكيده فارسي :
بعد متابعة تفاصيل البحث وجزئيّاته بالدراسة يمكن ان نخلص الى ان المورخ ابن عساكر عُدَّ من المورخين والمحدّثين الثقات الذين وضعوا قواعد التوثيق والتاصيل في التدوين التاريخي والذين نالوا ثناء مشايخهم ومعاصريهم واللاحقين لهم , فقد اتسم بالامانة والدقة في نقل الروايات التاريخية ذات الصلة بموضوع البحث من خلال ذكره مصادرها ورواتها دون تحرّج او تكلّف كل في موضعه , وبدا انه لا غنى لمن اراد دراسة تاريخ الجهاد الاسلامي على جبهة الروم من العودة اليه , لانه نقل رواياته الخاصة بهذا الشان عن مصادر تاريخية متخصصة ودقيقة غاية في الاهمية تعد الآن في عداد المفقودات . اذ قدمت رواياته صوراً مهمة عن احوال المجاهدين خلف الدروب الرومية لم يكن يسيراً على الباحث ان يجدها فيما سواه من المصادر فقد ظهر ان اولئك المجاهدين عبروا الدروب منذ وقت مبكر في العصر الراشدي , ثم تلت ذلك حملات جهادية كثيرة في العصر الاموي تفاوتت فيها اعداد المجاهدين تبعاً لطبيعة المهمّات المراد منهم انجازها وطبيعة دفاعات عدوهم الروم والارض التي ستجري عليها المعارك , كما اظهرت الروايات ان اختيار قيادات اولئك المجاهدين لم يكن عشوائياً انما كان يتم ذلك بدقة عالية وروية يصطفى بها الرجال الموهلون لمثل تلك المهمات , ممن لهم صفات ومزايا تمكنهم من نيل ثقة الخلافة آنذاك , كما بينت الروايات ان المجاهدين خلف الدروب كانوا على درجة عالية من الايمان والتقوى وقد تجسد ذلك بعفافهم وامانتهم وزهدهم بعروض الدنيا الزائلة اذ قدموا اروع الامثلة في ذلك وفي عدة مواقف خلدتها المصادر التاريخية , كما تحلى المجاهدون قيادةً وجنداً بذكاء ميداني مميز اهلهم لمقارعة عدو صعب المراس مثل الروم الذين خبروا فنون الحرب والفوا طبيعة بلادهم وتضاريسها , وكان للمجاهدين خلف الدروب طريقتهم الخاصة في النفير والتحشد و استحضروا مبادئ الحرب التي اظهرت خبرتهم الحربية وتفتح اذهانهم بشكل يسّر لهم التاقلم والتفاعل مع البيئة التي سيقارعون فيها عدوهم . واظهرت روايات ابن عساكر ان المجاهدين قد تسلحوا بشتى انواع الاسلحة وسائر عدد الحرب التي تكافئ ما لدى عدوهم , وهذا كشف عن متابعة دائبة من الخلافة لكل احتياجاتهم اليومية حتى الطعام والدواء, فضلاً عن ذلك بدا ان اولئك المقاتلة قد قصدوا من غزواتهم في عمق بلاد الروم تحقيق الكثير من الغايات والاهداف العسكرية الى جانب الغاية الاسمى _ الجهاد في سبيل الله تعالى _ كالقيام بحملات استطلاعية او غزوات تعويق لجند الروم واخرى فتح لقلاع وحصون وحرمان العدو من الافادة منها او استنزاف امكانات الروم وقدراتهم بحرب متواصلة لا هوادة فيها او التمهيد لحملات كبرى تستهدف العاصمة البيزنطية نفسها وهذا ما تحقق عدة مرات آنذاك .