مضامين السياسات الاوروبية لبناء الاقليم المتوسطي

شهدت مرحلة ما بعد الحرب الباردة تحولات امنية وسياسية واقتصادية وثقافية عميقة، اثرت على ميزان القوة اقليميا ودوليا، وادت الى اعادة تشكيل التفاعلات الدولية وفق انماط جديدة، وتعتبر منطقة البحر الابيض المتوسط بضفتيه الشمالية والجنوبية من اكثر المناطق التي تاثرت بهذه التحولات بالنظر الى الاهمية الجيوسياسية للمنطقة ومكانتها في السياسة الدولية وموقعها من استراتيجيات القوى الكبرى، وهذا ما ضاعف من حجم التحديات التي واجهت الدول الاورومتوسطية في ظل النظام الدولي الجديد وما افرزته متغيراته من فرص ومخاطر جعلت من تعاون الضفتين حتمية اكيدة للتكيف مع الوضع الدولي الجديد في المتوسط، فدول الضفة الجنوبية كانت تسعى للبحث عن حضور لها في نظام ما بعد التوازن القطبي، بينما كانت الدول الاوروبية متكتلة تسعى الى احياء الوجود الاوروبي العالمي وتطوير علاقاتها التاريخية لبناء قطب اوروبي عالمي منافس لبقية الاقطابالصاعدة. في سياق هذه التحولات سارعت الدول الاوروبية الى تطوير سياساتها المتوسطية لتتجاوز المجال التجاري التبادلي نحو اطار اوسع يشمل الاصلاح السياسي والاقتصادي والحوار الثقافي والاجتماعي وفق منظورات وآليات تعاونية متساندة، وترتيبات تكاملية ثنائية ومتعددة الاطراف،حدد من خلالها الطرف الاوروبي مجموعة من الاهداف التي تعد المرتكزات الكبرى لمجمل تصورات اعادة بناء الاقليم المتوسطي كفضاء للسلام، والامن والاستقرار، التنمية الشاملة،والتعايش الاجتماعي في ظل التنوع والتعدد الثقافي، عاكسة بذلك روية الاتحاد الاوروبي وما يجب ان تكون عليه علاقة وحداته مع دول جنوب المتوسط، فمضامين هذه السياسات مكنت الطرف الاوروبي من تكييف التحولات الاقليمية لصالحه، وتضمين مسار التعاون بين الضفتين روية استراتيجية ذات ابعاد قيمية تهدف الى بناء اقليم متوسطي على مقاس القوة المعيارية الاوروبية.