نظرية ابن خلدون في الذكاء والقدرات العقلية: الاسس الاجتماعية والثقافية

يتناول هذا المقال بالبحث والدراسة المقارنة اسهام ابن خلدون في الجدل الدائر حول الذكاء والقدرات العقلية منذ القرن الماضي وربما ما قبله، حيث ترسخ في الفكر الغربي الوضعي ان الذكاء هو صفة موروثة وان الافراد والشعوب تختلف في مستواها الاجتماعي والعلمي والحضاري بناء على مستوى قدراتها العقلية، ومتوسط درجاتها في مقاييس الذكاء. وقد تبين ان ابن خلدون واجه معضلة مماثلة في عصره تتخلص في تصور اهل المغرب الاسلامي ان اهل المشرق هم افضل عقلا وتفكيرا منهم، وانه يوجد تفاوت في حقيقة الانسانية بينهم، وان عقلوهم على الجملة اكمل من عقول اهل المغرب، وانهم اشد نباهة واعظم كيسا بفطرتهم الاولى، وان نفوسهم الناطقة اكمل بفطرتها من نفوس اهل المغرب، ويعتقدون التفاوت في حقيقة الانسانية ويتشيعون لذلك، ويولعون به، لما يرون من كيسهم في العلوم والصنائع (كما يقول ابن خلدون). قدم ابن خلدون في ثنايا المقدمة وفي مواضع مختلفة منها، تحليلا للنفس الانسانية وانواعها، وتطورها، وللقدرات العقلية ومستويات تطورها، وربط بين النفس والعقل والمجتمع، وتفاعلها، وبين ان النفس وارتقاءها ووصولها الى التحقيق الفعلي عن طريق تدرج العقل وارتقائه بفضل فرص التعلم والتفاعل الاجتماعي المهيا للفرد، مبيًنا الترابط العضوي الذي لا ينفصم بين النفس، والعقل، والمجتمع. فلا مجال لارتقاء النفس، وكمال العقل، دون وجود المجتمع الانساني الذي يهيئ الفرصة للانسان ان ينمو ويرتقي في مداركه وقدراته. وان اي تفاوت في القدرات العقلية بين بني البشر فانما هو بفعل التجربة الانسانية ومستوى الحضارة الذي يختص بامة او شعب معين. فالذي يفرق الناس او يباين بينهم، هو في كسبهم وسعيهم ومستواهم الثقافي الاجتماعي والتعليمي وليس الفطري او الوراثي فهم فيه سواء.