التفسير البلاغي عند النورسي (إشارات الإعجاز نموذجاً)

لا يخفى على المتأمّل أنّ رسائل النّور تعدّ منظومة متكاملة متناسقة الأجزاء في تفسير القرآن الكريم و أنّ الأستاذ النورسي استطاع أن يضع بين أيدي المتعطّشين لفهم أسرار القرآن و دقائقه مائدة سماويّة مباركة يتناول ممّا فيها المسلمون كلٌّ على قدر وسعه و استطاعته في الفهم و الفكير. و من أجلّ هذه الرسائل إشارات الإعجاز في مظانّ الإيجاز ، تلك الرسالة التي تصور موهبةَ النورسي الفذّةَ في دراسة العلوم الإسلامية و فهمَه العميق لوجوه إعجاز القرآن المختلفة و ذوقَه السليم في تحليل النّكات البلاغية و لطائف العربية. فبديع الزمان النورسي بعدما اطّلع على ما كتبه أجلّة العلماء حول إعجاز القرآن و بلاغته، توجّهت جهوده في هذه الرسالة إلى إثبات إعجاز القرآن البلاغيِّ مبنيّاً على نظريّة النّظم ثمّ من ذلك إلى التغلغل و التعمّق في معاني الآيات في طريق الوصول إلى إظهار العقائد الإسلامية و ارتباطها بالوجود. و لو قدّر له أن ينهيَ عمله في ضوء هذا المنهج البلاغي المتكامل، لَكنّا أمام تفسير بلاغي شامل عظيم. و مهما يكن من أمر فإنَّ الله قدّر للأستاذ الأفضلَ حينما استطاع أن يوجّه جيلاً من المسلمين بما ضمّنه سائر رسائله. و الكاتب في هذا المقال يسعى في أن يدرس منهج النورسي في التفسير البلاغي للقرآن الكريم على ضوء ما جاء في هذه الرسالة من النكات و اللطائف البلاغية؛ فالتفسير البلاغي في هذه الرسالة منظومة متكاملة حاوية لكثيرٍ من المعارف اللغوية و الذوقية و الأسلوبية، و النورسي و إن بدأ من دراسة نظرية النظم دراسة متقنة و لكنّه لا يقف عند هذا الحد و يتجاوز من خلال منهجه البلاغي آفاقاً بعيدةً في فهم بلاغة القرآن و إعجازه.