السيِّد محمّد بن علي بن حيدر المكّيّ العامليّ ومنهجه في كتابه الفوائد الجليّة في إعراب أبيات القصيدة الخزرجيّة

لا شكّ أن قوام أي لغة إنّما يكون بقدرتها على تحقيق التواصل بين أبنائها، وكلّما كانت مفردات هذه اللغة واضحة لديهم، وقواعدها وأساليبها في دائرة الإمكان والتمثّل، كانت أوفر حظًا في الإنتشار من غيرها من اللغات. واللغة العربيّة هي لغة القرآن الكريم اختارها سبحانه لتكون خير مهاد لاحتضان معاني كلام الله جلّ وعزّ؛ وما ذاك إلّا لاستعدادها وقدرتها في الكشف على المعنى وإيصاله لدى المتلقي بأساليب بليغة وأنماط بديعة وقواعد رائقة. وبالرغم من توسّع علوم العربيّة وتنوّعها إلّا أنّها جميعًا توجهت اهتمامها نحو المعنى، فهو الغاية الأسمى والهدف المنشود لكلّ متكلم، وإذا كان علم البلاغة قد توجه بالكشف عن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، فلقد سبق ذلك علمُ النحو بمهمته الرصينة في صون اللسان العربيّ من اللحن؛ ولاسيّما بعد تخالط الألسنة نتيجة عصر الفتوحات ودخول الموالي في الإسلام، فانبرى علماء العربيّة وقعّدوا القواعد لذلك، فكان لعلم النحو اليد الطولى في ذلك بأن يحتضنها ويبثها بين مريديها. والإعراب في اللغة هو الكشف والبيان، لذلك سُمّي تحديد الموقع الإعرابيّ للكلمات في أثناء التركيب إعرابًا؛ لأنه يتوخّى الدقة العلميّة في ذلك عبر مجموعة من القواعد النحو الّتي تعارف عليها علماء النحو وتشكل بمجموعها متظافرة وحدة موضوعيّة تستهدف إيصال المعنى المطلوب إلى المتلقي صحيحًا لا لبس فيه ولا إشكال. ومن هؤلاء العلماء الذين ساروا في هذا الإتّجاه – إتجاه تحديد المعنى- السيّد محمّد بن حيدر المكيّ العامليّ في كتابه الموسوم (الفوائد الجليّة في إعراب أبيات القصيدة الخزرجيّة)؛ بعد أن أخذ على عاتقه إعراب القصيدة الرامزة في علم العروض، وهو بذلك يقدم خدمة علميّة طال البحث عنها بعد أن تعرّض أكثر من ثلاثين بحثًا لهذه القصيدة، والجدة في اكتشاف معانيها ما تزال قائمة، من هنا وجد البحث من الأهميّة بمكان أن يكون المنهج الإعرابيّ للمؤلّف على طاولة البحث وصفًا وتحليلًا؛ بعد أن لمس فيه الجدّة في منهجه المتبّع وأسلوبه في إعراب كلماته دون ملل وليكون حافزًا علميًّا لطلّاب العربيّة أن يقفوا على جواهر لغتنا العربيّة.