الحكمة العمليّة عند الفرس في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة: دراسة صورولوجيّة

تُعدّ الحكمة العمليّة باعتباره علماً يتطرّق إلى دراسة سلوك الإنسان الطوعية في سبيل الوصول إلى السعادة من الموضوعات الأساسيّة الّتي اهتمّ بها الفرس من أقدم العصور. فهي بأنواعها الثلاثة من تهذيب الأخلاق، وتدبير المنزل، وسياسة المدن، كانت صورة واضحة عن تجاربهم الغالية خلال العصور المتمادية. انتقلت هذه التجارب والآراء النيّرة من جيل إلى جيل لتكون مصباحاً زاهراً يضيء الطريق إلى حياة مثاليّة، ويزيل الهموم عن النفوس ويهدي إلى خير الأمور وأفضلها. والدالّ على هذا، المواعظ والحكايات الّتي قد خلّفوها للأجيال القادمة. يهدف هذا البحث إلي استجلاء الحكمة العمليّة عند الفرس في مؤلّفات الأقوام الأخري، كاشفاً عن انطباع المؤلفات العربية عن الفرس ومكانتهم في عهد الساسانيين. من المؤلّفات الذاخرة بالحكم والمواعظ الفارسيّة هو كتاب «عيون الأخبار» لابن قتيبة الدينوري حيث يصوّر الحكمة العمليّة عند الفرس بصورة واسعة في فترة الحكومة الساسانيّة وهذه الدراسة تساعدنا في التعرّف علي الحكمة العمليّة الفارسيّة في هذا الأثر القيّم. قد بُني هذا البحث على أساس المنهج الوصفي-التحليلي محاولاً تبيين مواضع الأنواع الثلاثة للحكمة العمليّة عند الفرس في «عيون الأخبار» عن طريق كشف الجوانب المتعدّدة وربّما الخفيّة من آداب الفرس وسير ملوكهم في تلك الفترة. تبيّن لنا خلال البحث أنّ مبحثي تهذيب الأخلاق وسياسة المدن كان أكثر أهميّة واستعمالاً من مبحث تدبير المنزل. فمن الأخلاقيّات التي جاء ابن قتيبة بها عن الفرس هي كتمان السرّ، وفناء الدنيا، والسخاوة، وفضل العلم على الثروة. وما جاء من تدبير المنزل هي الصداقة بين الأخوين والتوصية بالزواج في الأقرباء، وآداب الأكل، والنظافة. وهناك حكم ونصائح عديدة تدلّ على اقتدارها في إدارة البلاد وسياسة المدن منها حكايات من ميزات السلاطين، وعنايتهم البالغة باختيار العمّال، وتدبير أمور الحرب وما يرتبط بالجنود.