تجلّيات تصويف المكان في رواية «جبل قاف» لعبد الإله بن عرفة على ضوء آراء محيي الدين بن عربي

يضفي المكان الصوفي بوصفه إحدى مكوّنات السرد مسحة قدسية على النصّ الروائي من خلال علاقته بالأفكار الصوفية ودوره في الثراء الدلالي والجمالي له، فلذلك يتجاوز المكان في الرواية الصوفية عن وصف الأبعاد الهندسية ليصبح أيقونة لدلالات معرفية صوفية. يسرد الروائي في رواية جبل قاف لعبد الإله بن عرفة سيرة محيي الدين بن عربي الذاتية، فيواجه القارئ بحضور مكثّف للمكان والفضاءات الصوفية. فالأمكنة المستدعاة في النصّ الروائي أضفت على مشاهد الرواية صورة من القداسة واللمحة الصوفية وتحوّلت بحمولاتها الصوفية إلى ملمح من ملامح الكشف والإشراق الروحي. وقفت هذه الدراسة بمنهجها السيميائي والموضوعاتي عند مفهوم المكان الصوفي كمفهوم معرفي في تفكير واحد من أبرز أعلامه (محيي الدين بن عربي) من خلال استخراج المشاهد المكانية الصوفية في رواية جبل قاف التي تتناول سيرته الذاتية ورؤيته نحو المكان وما يرمز إليه من دلالات صوفية يكشف عنها السرد خاصة في المشاهد الوصفية لسوق مدينة مرسية، وخزانة الكتب للسلطان، والمساجد كالمسجد الأقصى ومواقف أخرى مثل مشاهد الكشف والفتح والتجلي أو في حديثه عن المشرق والمغرب. تكمن أهمية البحث في وقوفه على تجربة عبد الإله بن عرفة كأحد أعلام الرواية العرفانية في المغرب العربي، ومحاولته تحيين التراث الإسلامي ضمن البنية السردية الحديثة، ومعرفة القارئ بنوع جديد من الرواية. توصّلت الدراسة إلى أنّ رواية جبل قاف لعبد الإله بن عرفة تجربة روائية تفاعلت مع الأبعاد الصوفية بدءاً من العنوان حتّى نهايتها، فامتزج المكان فيه بالرؤية الصوفية من جهة، وارتبطت بالدلالات الرمزية الصوفية من جهة أخرى. كما كشفت الدراسة أنّ الروائي نظر إلى المكان نظرة صوفية واعتبره مكوناً روحياً، وطبّق رؤيته الصوفية على المكان في بناء المكان الروائي، وكلّ ذلك اقتبسه من تفكير ابن عربي. وأخيراً حاول الروائي على أن يكون الفضاء الديني في روايته متين العلاقة بالعناصر السردية الأخرى حيث تبعث في النص وفق استراتيجية محددة ودقيقة، وهو ما يكشف عن عبقرية الكاتب في تجسيده للفضاء الديني بكل أبعاده الهندسية والروحية.