معالم الوسطية عند الصحابة رضي الله عنهم

انّ من نعمة الله على هذه الامّة ان شرّفها بالاسام دينا وبالوسطية منهجا، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطًا﴾، وانّ الناظر في المنهج النبوي ليصل الى حقيقة مفادها انّ النيّ صلى الله عليه وسلم، اذ يسعى للارتقاء بالواقع لا يغفل عن الطبيعة البشرية، فتجده يستفرغ وسعه في تاديب الصحابة رضي الله عنهم بالكمالات الانسانية مع مراعاة مقتضى الحال في الاقوال والاعمال. وانّ المتامل في تصرفات الصحابة رضي الله عنهم ليجد هذه المعاني الجليلة القائمة على ميزان العدل والوسطية، اشدّ ما تكون ملاءمة للفطرة الانسانية ولمختلف الاحوال البشرية. وقسمت بحثي هذا الى مقدمة ومبحثن وخاتمة، تعرضت في المبحث الاوّل بالبيان الى مفهوم الوسطية وسماتها وخصائصها ومرتكزاتها، وذلك قصد الوقوف على مركزية هذا المفهوم في دلائل الشريعة عامة وعند الصحابة خاصة، وتناولت في المبحث الثاني: وسطية الصحابة رضي الله عنهم في العقائد والاحكام والاخاق، باعتبارها الصياغة العمليّة لهذا المفهوم، وذلك قصد الوقوف على كيفيّة تنزيل الصياغة العلميّة للوسطية في الواقع العملي. وانتهيت الى انّ الوسطيّة في الاسام وصف كليّ عام، بل هي اوّل اوصاف الشريعة واكر مقاصدها، وهي ميزان عدل الشريعة وقوام الصفات الفاضلة ومنبع الكمالات، وهي مميّز هذه الامّة عامة والصحابة خاصة. وهي الى ذلك واجب رباني ووصف نبوي، شرعة ومنهاجا، فكلّ انحراف عن الوسط الى احد الطرفن، هو عدول عن الشريعة وخروج عن منهجها الاعدل.